ساتيا نادالا ورؤيته المُستقبلية لشركة مايكروسوفت
تحوّلت مايكروسوفت خلال السنوات القليلة الماضية من الشركة التي تجذب أنظار الملايين من عُشاق التقنية، إلى شركة تظهر أخبارها وتمر مُرور الكرام في مواقع الإنترنت دون أن تترك أي أثر أو فضول، تمامًا مثل حال اللاعبين الناشئين الذين يتم التعاقد معهم من قبل الأندية الكبيرة ثُم تختفي تلك الأخبار دون عودة إلا فيما ندر.
لكن الحديث الآن عن مايكروسوفت تغيّر بشكل كامل خصوصًا بعد مُنتصف عام 2014، حيث عادت الشركة إلى مكانتها الطبيعية، ويُمكن اعتبار أن فترتها المُظلمة تقريبًا كانت استراحة مُحارب عاد ليضرب بكامل قوّته من جديد.
ساتيا نادالا Satya Nadella يُعتبر الرئيس التنفيذي الثالث فقط في عهد شركة مايكروسوفت الذي يمتد لسنوات طويلة، والذي تم تعيينه رسميًا في هذا المنصب في شهر فبراير/شباط من عام 2014، والذي لا يجب أن نمر على اسمه بسرعة كبيرة دون تأمل الخطوات التي قام بها لإعادة الشركة إلى مكانها الصحيح.
مايكروسوفت راهنت مُنذ بدايتها على ضرورة وجود أداة لتشغيل الحاسب تدفع المُستخدم العادي إلى الإنتاج بأفضل شكل مُمكن، كما آمنت أيضًا بأنها لن تتمكن من السيطرة على كل شيء لوحدها، لذا عملت على التعاقد مع IBM لاستخدام أنظمة مايكروسوفت وتغيير تجربة استخدام الحاسب بشكل أو بآخر، ويُنسب الفضل في هذه المرحلة إلى بيل جيتس مُؤسس الشركة.
مُنذ تأسيس مايكروسوفت وحتى يومنا هذا حاولت الشركة المُحافظة على هذه السياسة والتعاون مع الشركات المُصنّعة من أجل إنتاج حواسب تعمل بنظام ويندوز وتُقدم بعض مُنتجات مايكروسوفت للسيطرة بشكل أكبر على السوق، إلا أن ويندوز 8 خذلها وغيّر هذه المعادلة، خصوصًا مع بزوغ عصر الحواسب اللوحية بأنظمة أندرويد وآي أو إس والتي أثّرت بشكل أو بآخر على مبيعات الحواسب.
رؤية ساتيا تمثّلت بالبساطة والعودة إلى أصول الشركة قبل أي شيء، حيث أكّد أن مهمة مايكروسوفت كانت وستبقى القيام بالأشياء ليقوم المُستخدمون بالقيام بالأشياء أيضًا.
هذه السياسة باختصار سمحت لمايكروسوفت العودة من جديد إلى مكانتها الطبيعية بين الكبار، ففكرة تحويل نظام ويندوز إلى خدمة تتوفر لجميع الأجهزة ليس بالأمر السهل، لكن كان لا بُد من المُخاطرة لكسب ود العُملاء من جديد.
قد يقول البعض أن ستيف بالمر خاطر أيضًا في نظام ويندوز 8 وقام بإلغاء قائمة إبدأ ظنًا منه أن شاشة إبدأ هي العصر الجديد للحواسب، لكن هذا هو الفرق بين المُغامر الذكي والمُغامر العشوائي ( من وجهة نظر شخصية ).
بالإطلاع بشكل سريع على قواعد التصميم وواجهات الاستخدام تجد دائمًا أن تغيير الواجهات بعد أن اعتاد المُستخدم عليها من أخطر الأمور التي يُمكن القيام به، ولن تجد شركة إلا فيما ندر تأخذ هذه المُجزافة لأن الكتاب يقول ذلك وهو ما تجاهله ستيف بالمر تمامًا في ويندوز 8 وأدى بالنتيجة إلى التخلّي عن هوية مايكروسوفت الرئيسية، فعوضًا من استخدام أدوات مايكروسوفت لإنشاء الأشياء، أصبح المُستخدم يقضي جُل وقته في التعرّف على طريقة استخدام هذه الأدوات التي سبق له وأن احترف التعامل معها !
ساتيا لم يتجاهل دور الشراكة الاستراتيجية مع بقية الشركات وأبقى المُنافسة مفتوحة واعتبر المُنافس صديق وليس عدو، وذهب بنفسه لآبل وتقرّب من جوجل من خلال توفير تطبيقات مايكروسوفت على هذه الأجهزة ثم توجه إلى توفير أدوات تطوير مايكروسوفت على ماك ولينكس مع دعمها أيضًا لتطوير تطبيقات لنظام آي أو إس.
أيقنت الشركة بقيادة رئيسها التنفيذي الجديد أننا لم نعد في عصر الاحتكار، وأن الإنترنت الذي يُسيطر على كل شيء في وقتنا الحالي هو منصّة مفتوحة للجميع، لذا من الضروري أن تنفتح الشركة أيضًا وتصل آفاق لم تكن تُفكر فيها سابقًا لأن الواقع يتطلب هذه الخطوات.
أما على صعيد الأجهزة والحواسب، فلم يُهمل ساتيا شُركاء مايكروسوفت مثل سوني أو إتش بي على سبيل المثال لا الحصر، فعلى الرغم من إطلاق حواسب سيرفس بوك وسيرفس برو 4، إلا أنه أكّد على استمرار الشراكة والرغبة في الاستثمار أكثر مع هذه الشركات لتوفير أجهزة مُميّزة للمُستخدم.
نظرة ساتيا للشركة بعيدة المدى وليست محدودة، وعادت من جديد للتركيز على نسبة الاستخدام واعتماد المُستخدمين على مُنتجات مايكروسوفت بعدما كان التركيز مُوجهًا نحو العائدات المالية والأرباح في الفترات السابقة.
ويُمكن تلخيص نظرة ساتيا بجملة واحدة وهي أن القيمة هي التي تجلب الفائدة وليس العكس، وبنظرة سريعة إلى قيمة مُنتجات جوجل أو آبل نرى أن مُحرك بحث جوجل الذي قدّم قيمة لحياة الناس، قدّم فيما بعد الفائدة على أصعدة مُختلفة، تمامًا مثلما هو حال أجهزة آيفون على سبيل المثال، فلو لم يُقدم الجهاز أي قيمة للمُستخدم، لما تكبّد عناء دفع 500$ على الأقل للحصول عليه، وهو بإمكانه الحصول على أجهزة بمواصفات أعلى في بعض الأوقات بنفس السعر أو أرخص.
في النهاية، الكثير من المُحللين وخُبراء التقنية اعتبروا أن مؤتمر مايكروسوفت الأخير الذي كشفت خلاله عن أجهزتها الجديد هو الأفضل في تاريخ الشركة، بينما أجمع البعض أنه الأفضل على الأقل من بين المؤتمرات التقنية التي عقدتها بقية الشركات، حيث قدّم للعالم التقني مجموعة مُنتجات عالية القيمة وتُساعد المُستخدم حتمًا في القيام بالأشياء بأفضل طريقة مُمكنة.